الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

الجوع والأقنـعة




            تعلمت خلال السنتين الأخيرتين من حياتي على اقتيات ذاتي بدلا عن الوقت والزمن ، وكلما أحاول فتح نافذة تغلق أبواب في وجهي .. اليوم وبالتحديد ، وجدت نفسي أأكل بطريقة المتشردين والجياع منذ قرون ، وقبل ثلاثة أيام وجدت نفسي أبحث في فضلات الآخرين علني أجد ما تشتهي نفسي من طعام … فلم يعد باستطاعتي أن اشترِ ما ترغب نفسي فيه ، أنا لم أحرم يوما أحداً من شيئ أَحَبَهُ فلا ادري لِمَ هذا الحرمان ؟ نعم أنا جائع لكل شيئ اِلا الحياة .. والجوع يا أصدقائي لا يقتصر على غذاء المعدة .. كلا فأنا جائع للعاطفة .. للكلمة الطيبة الحنونة .. جائع لعائلة تضمني وتخصني .. جائع لأبناء من صلبي وزوجة احبها وتحبني .. جائع لعمل محترم بكل معانيه يرضي آدميتي .. جائع لدار تضمني وتأويني افعل فيها ما أشاء .. أليس كل هذا جوع ؟؟؟ هل هذا سخط الله عليّ لأني كنت أعاني من الطيبة …؟؟؟ أم لأني كنت إنسان ؟؟؟
ان في هذه اللحظة جائع لحظن أمي التي فقدتها ولن تعود مطلقا مهما تمنيت … أنا ما أزال اذكر إن لنبض قلبها طريقة مختلفة عن الآخرين … كأنه يرن في أذني الآن ..
          أنا جائع لنفسي التي لا اعرف لها ملامح الا في ذاكرتي .. مَن انا لم اعد اعرف ؟ هل تعلمون اني حينما انظر في المرآة لا اعرف صورة من تعكس هذه المرآة اللئيمة او لعلها تتخابث معي ، فتتراى لي اشباح اخرى ام اوهام اخرى تعتمر شعرا ابيض ، ذابل العينين ، شاحب الوجه ، فاستبدل وجهي بلون آخر لكني احس انه قناع ذا رتوش كثيرة فسرعان ما انزعج منه … انه زائف ككل الآخرين واحس كأنني في حفلة تنكرية .. لِمَ انكر ذاتي ؟ لا … لأكون كالآخرين …!!! كلا ! – لن اكون – بل سأبقى بوجهي وانظر لكل الذين اصادفهم يوميا او اعيش معهم في مخيلتي ووهمي .. لأدهم بأقنعتهم واحاول ان اتفرج … وسأحاول ألاّ  أتعامل بلغة تعابير الوجه ولأدع احساسي ينتقل بي بين هذه العوالم …
لكني في عالمي اعزف لنفسي كونشرتو من ثلاث ابعاد [ الحب والحزن والخيانة ي انه كونشرتو " الحياة والذكرى " … وسأرقص مع ظلي وادع الآخرين يعزفون الحاناً ناشزة ويترنحون – نعم انهم يترنحون ولا يرقصون … فالحياة والشارع والاماكن التي ارتادها والطرق التي اسلكها كل يوم مشيا على الاقدام او زحفا على النفس والذات عبارة عن حفلة موسيقية والكل مدعو فيها باصطحاب فرقته الموسيقية واقنعته وشريكه … الا انا ! … فانا اسير دون ان يلحظني احد ،بملابسي السوداء الداكنة ولا احتاج الى قناع فوجهي ما عاد هو ، ولا شريك لدي وفرقتي الموسيقية تحملها ذاكرتي .. انا احيانا ارغب ان اكون كالآخرين لكن !!! لا وقت لدي ولا اعلم لماذا احس دائما انني متأخر عن كل شيئ وفي كل شيئ ..
هل تدرون يا اصدقائي انا رجل درست في مدارس خاصة ، حاولت ان احصل على شهادة جامعية وحصلت عليها لكني لم اكن راغبا فيها فقد كانت حلما لوالدتي حققته لها عن دون دراية كيف ؟ ولأنها لم تكن حلمي – الغيت اهميتها من حياتي واعتبرت نفسي بلا شهادة ضمن هذا التخصص !!! هل تدرون كم كان حلمي بالحصول على بكالوريوس من كلية الطب باختصاص جراحة الاعصاب أو استاذا في كلية اللغات – لا – مهندس بائس مثلي – هذه الشهادة معلقة على جدار كل منزل سكنته وكان يخصني لأن امي كانت تفتخر بها ، لكني بعدما فقدت كل شيئ اصبحت اعلقها لأشغل بها حيزا من الجدار او لتزيين المكان ليس إلا والآن هي مهملة جدا ولا اذكر اين احتفظ بها بين اغراضي … ولربما كي لا انتقص من نسي فانها معلقة في ذاكرتي … نعم … من المفارقات اني اجيد بعض اللغات والعمل على الكومبيوتر ولي بعض هوايات أخرى ، وقد امتهن الكتابة يوما ، صحيح إني أزاولها الآن ، لكني أحاول امتهانها … هل تدرون إن الورقة والقلم لم يغادرا حقيبتي منذ كنت في الثالثة عشر من عمري ! وانقطعت عن الكتابة مدة طويلة تكاد تكون عشرة اعوام وهجرت الرسم والنحت من مدة تفوق المدة السابقة ولا ادري لماذا ؟ انا اهجر اصدقائي الحقيقيون … فقد اكتشفت اخيرا ان لا ملاذ الا اليهم هذه الاوراق لم تمل من الحديث معي انها تستوعبني وتسمعني وتترك اصابعي تختم عليها بعض الكلمات … كلا بل كل الكلمات ولاتضجر مني بل انا اضجر منها او اتعب من ازدحام الكلمات وكثرة ما اسطره منها ، السطر تلو السطر والصفحة تلو الاخرى فأحس بالاعياء : الاعياء من كل شيئ ، اعياء من الزمن ومن الوقت فالوقت عندي لن يتوقف في الهروب مني … لكن ذاكرتي قد توقفت في تأريخ محدد لا استطيع المرور دونه كل يوم ولا يمكن لي ان اتجاوزه رغم مرور الايام والاسابيع والاشهر … انا كل ما اعلمه ، حد فصل الحياة عني وشقها نصفين غير متكافئين … لكني اجهل اين اعيش في الحاضر الذي يحاصرني بكل ما فيه من قسوة ووحدة والماضي ما صنعته انا لنفسي ولآخرين ! لكن ماذا في الحاضر … ؟ ماذا افعل فكل الايام متشابهة وقد ضجرتها ومللتها ، كأنها توقفت ، فالسنين يمررن دون ان يسألن ودون اكتراث لي او لأحد منكم ، لأن مهمتهن تسجيل ارقام وضعناها وليس عبثا … ليحسب كم عمر الارض !!! خاوية ايامي ونفسي ولا ادري ماذا افعل لكني انتقل من فشل لآخر بكل جدارة … وكل نجاح عندي يحسبه الآخرين قمة في النجاح اضيفه انا الى قائمة فشلي المتوالي … هل تدرون لماذا ؟ يا اصدقائي ان الاحساس بالخيبة والعدمية قاتل .. لكني الآن ساحاول ان اجد مفرا آخر لنفسي ، سأهرب الى الاقنعة !!1
يوما ما .. كنت في طريقي الى متاهة من متاهات الحياة وبينما انا في طريقي استوقفني قناع ، شدني ! كان قناعا ساكنا جدا ملامحه هادئة وخلف القناع عينين صغيرتين لهما بريق يتدفق ؛ كنت انا بوجهي الآخر … كنت جامدا في الا عاطفة … لكن هذا القناع حركني ؛ حرك شيئا ما فيّ فأصريت على استكشاف معالم الوجه الحقيقية التي تختبئ خلف هذا السكون … ومع الايام احببت صاحبة القناع ! لكن دون جدوى ودون ان اميز وجهها الحقيقي فما عاد القناع يهمني ؛ ان ما شدني اليها هو عاطفتي ولا شيئ آخر واعتبرت جمال روحها قد طغى على قناعها المزيف ولا يهمني ما يختفي خلفه – ان كان وجه جميل اكثر جمالا وسكونا من قناعها أم وجه مشوه ، فلا فرق عندي ولأول مرة احببت روحا لكني بمرور الوقت اكتشفت ان الارواح مقنعة ايضا !!! لكني اكتشفت ذلك بعد فوات الآوان ، بعد ان اخترت كل بؤسي دون أي مبرر الا تلك الروح التي احببت – هل انا غبي ، لهذه الدرجة ام اعمى ام كان مغشيا عليّ ؟ لحظة دخلت روحها وتسللت اليّ وانتزعت الحياة من جسدي وضلت روحها هناك تسكنني ولا ادري كيف لها ان تغادر ؟ لأنها إن غادرتني سأموت … فروحي غادرت منذ زمن لا ادري كم مدته …  ان التواريخ والايام في ذاكرتي لكن لا ادري بالضبط كيف ومتى تمكنت من طرد روحي لتستقر روحها هنا في جسدي …وقد اكتشفت ذلك صدفة بينما كنت افتش عن ذاتي مرة فعثرت على قناع مخيف ، امسكت به حاولت ان اتمعن فيه او ان اضعه بدلا من وجهي لأعرف لمن هذا القناع المخيف … وحينما وضعته على وجهي وجدت انه وجه حبيبتي !!! الحقيقي لم يكن قناعا … فقررت ان ارتديه امامها ، وحينما وصلت اليها وجدتها عرفت من اكون ، وقالت انا اعرفك – فهذا وجهي وهذا قناعك ، انت البستني اياه ، فقد كان الذنب ذنبك ، انت رأيتني هكذا بعينيك ، بروحك نعم انا لا انكر انك احببتني لكنك ما حاولت ان تكتشف من اكون !!! لقد قلت لك مرارا وتكرارا انا لا استحق ان تنظر اليّ بعينيك هاتين ، فانا قناع لا سبيل لمعرفة تفاصيله …
وهنا عرفت ان النجوم لها اقنعة حجرية وإن لا شيئ يدعوني للبقاء هنا في هذه الظلمة الابدية  لأن الظلال والاقنعة لن تسقط !!! عرفت ان ما من شيئ يدعوني للبقاء …..
هذا الزمن الذي بدأت فيه الاقنعة تطحن ضحاياها على الارض ، كان الطريق يمتد طويلا وضجرا من شدة الفراغ والعدمية ، وكان وراء هذه الأقنعة مخلوقات مبهمة مخيفة ، تحاول أن تنتزع نفسها من نفسها وتهمس كأنها ترثي نفسها ، فالخطيئة في اقصاها وانا ما ازال شبح مجهول يتحرك بكل الاتجاهات املا في اكتشاف نبع ضبابي – يملأني انسانية جائعة لأنسانية … وفي هذه اللحظة عرفت ان جوعي للانسان لا منتهِ ، فامتد بصري لكل ما وقع نظري عليه املا مني بوجود ملاذ من جوعي بعد ان عرفت ألسنة اللهب التي تمتد من كل قناع  والظلمة التي تغور بها الاقنعة … واخيرا سأرحل الى مجهول هناك  في مدينة اسمها [….. ] واقف على بابها وأتأمل موتي المحتوم  ؛ ما عدت استطيع ان اتخلص من آخر أنفاسي بسرعة وكل حياتي تترأى لي بسرعة الضوء … انا اختنق واحس بمغادرتي …
يا اصدقائي اذكروني … واذكروا اني لم امتلك قناعا في حياتي إلا انني كنت انسانا جائع وغادرت وأنا جائع … لكنني مجنون ، محب !!!!! والقضاء قد اتهمني بالانسانية وقوضيت وادانني ، وأعدمت نفسي بعدما حكم عليّ بأقصى العقوبة … ولن أدع قناعا يقتلني ….
                                                          النهاية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق